Translate

بحثاً عن النجمة " قصة عن تقدير الذات "

  قصة قصيرة عن تقدير الذات (بحثاً عن النجمة)



ألقيت نظرة عجولة على مفكرتي منتظرة تبدد بخار قهوتي الساخنة، وجدت نفسي مجدداً مع هذا النص:

" كلنا خلقنا لهدف مختلف عن الآخر، يُستحيل على شخصين أن يكونا خُلقا في نفس الزمان والمكان لنفسِ الهدف من وجودهما .
وحسب التفكير المنطقي في ذلك، أرى أنه لكل شخص غاية محددة، واضحة، مختلفة، حتى وإن كانت النشئَة من بويضة مخصبة واحدة في رحم واحد .
يُستحال أن يتواجدا شخصين يحملانِ نفسَ الهدف الحياتي من وجودهما  .
نعم, كُلنا خُلقنا لنعبد الله و نُوحِده
ولكن كل شخص في إعمار الأرض له وجهَتُه
حتى وإن كانوا في نفس المجال الدراسي والوظيفي.
لكلٍ ابتلاءاتُه واختباراتُه ومجاهداتُه في الحياة
ولكلٍ طرق مختلفة في استيعاب وقبول وعمل ما يوجِهُه الله له .
فلمَ نكره للآخرين مايملكونه ؟
والطريق ليس واحد، سنلتقي في محطات كثيرة ونتشارك نفس القطار لكن الوجههَ مختلفة "

هذا ما كتبتُه في يومِ ربيعٍ عابر كالكلمات التي خرجت عابرة لتعبرَ إليها، لكنها ظلّت في ورق مفكرتي الصفراء ولم يتجاوزني التفكير بها، كتبتُها على عجل منذ مدة شربت قهوتي قبل أن تبرد وجاء النداء بأن الطائرة بعد ساعة ستهبط في مطار الرياض، مضى وقتٌ طويل منذ غادرتُها، متأكدة أنني لن أستدعي الذكريات، بل هي التي ستستقبلني .

هبطت الطائرة، نزلت منها على عجل، رحتُ أبحث عن حقيبتي، حقيبة وراءَ حقيبة ولا أرى حقيبتي يبدو أنني سأضيع شيئاً اليوم، لا مجال لإضاعة الوقت في البحث هناك مؤتمر سيُعقد بعد ساعتين ونصف، هو سبب قدومي للعاصمة وفي الحقيبة كل استعداداتي لهذا اللقاء، من الصعب جداً تخيل أن الحقيبة ضاعت !
أحاول جاهدةً عدم إضاعة أي مشاعر، وأحاول أن أُبقي مستوى الأدرينالين طبيعياً، لكنها أخيراً ظهرت، وجدت السيارة التي ستُقلني إلى الفندق حيثُ هناك سيكون مكان إقامتي والمؤتمر الذي سيكون بمثابة
 (خارطة الطريق) أحد البرامج التي تقدمها مؤسستي لمئات الطلبة الجامعيين، سيكون هناك أيضا حوار مفتوح معهم، ولا أستطيع تخمين الأسئلة التي سيوجهونها لي لكن أعتقد أنها ستكون شخصية أكثر من كونها مهنية .

وصلتُ الفندق بقيَ ساعة و خمسة وثلاثون دقيقة، سأرتب مظهري وأتناول كُوبَ قهوة آخر، كنتُ متوقعة أنها ستستقبلني، لم تتأخر كثيراً، في أول رشفةِ للقهوة الساخنة عبرَ أمامي شريطها، شريط الذكريات الذي يُقيّد كلٍ مِنا بماضيه .

بدأ المؤتمر ومضت ساعة على البداية، ألقيت كلمتي عن "خارطة الطريق" وبعد 10 دقائق سيبدأ اللقاء المفتوح، في العشرِ دقائق هذهِ من الانتظار ذهبتُ للماضي، الماضي الذي كنتُ فيه وتنتهي العشر دقائق لأرى الحاضر الذي أنا فيه، وفجأة أسمع صوت أحدهم في مكبرات الصوت، يوجه السؤال إلي، لم أشعر إلا بسلاسة الكلمات التي تخرج مني على ارتجال:

"  كان يومَ قتلني شعور المنافسة القاتلة، المنافسة التي لا تبني، بل كانت تُفسدني، نعم هناك منافسة فاسدة، بعضنا يفسد فيها على من حوله، أما أنا فقد أفسدتُ روحي, كان يخدعني ظاهرهم، كنت أرى النجاح، السعادة اللحظية، رغم أنني لا ألتقي بهم إلا عدةَ ساعات ولم أعش الأيام معهم !
كانت تعميني الثقة التي تتوج لي سعادتهم اللحظية، لم يكونوا سعداء كثيراً، كانوا يفرّغون مابهم، كان هناك فقد أكبر مما لم أراه، كانت هناك معارك داخلية، وأحياناً خارجية "

وفي هذا الصمت وهذا التجاذب في الأفكار وفي لحظة استحضار الأحداث وكأن الكون كله صورة في لوحةٍ معلقة على الجدار في قياسِ نظري وكأن الجمادات تفهم أفكاري، وكأن الكون بالحياةِ فيه والجماد يناقشني، أكمل قولي:

 " لي نعم كثيرة لكنني لم ألتفت إليها، لأنني لم أستطع أن أنظر إليها، ليس لأنني لا أريد بل لأنني لم أكن أستطيع، لأنني لم أعرف حينها كيف أرى، وكيف أرى وأنا كل تركيزي على من هم حولي ؟"

"كنتُ أنظر وأنظر حولي كثيراً وفي الجهة الأخرى كنتُ أرى عيوبي والذي ينقصني، وحكيتُ عن عيوبي كثيراً، حتى التي لم تكن فيّ حكيتُها، صدّقتها، أقنعتُ من حولي بها، حتى أنهم لم يروا فيّ أي جوهرة، فلا أحد يستطيع أن يرى نجمتنا الداخلية سوانا، الناس لا ترى فينا إلا ما نراه نحن عنّا, لو أنني لم أرى نجمتي حتى هذا الحين, لما جلستُ هُنا أجيب على سؤالك .

كان سؤالها ( رأيت قبل ساعة على صفحة حسابك في تويتر هذه الجملة التي أثارت فضولي "يوم واحد من الماضي كان سيُعيق وجودي اليوم هُنا"فهل لنا أن نعرف تفاصيله؟ )

ربّما تشعر لفترة أنه سؤال عابر، لكنه لم يكن عابراً بالنسبةِ لي وكأن الله هيأني من الطائرة لهذه الإجابة ، وفيما بعد عرفت أن إجابتي لم تكن عابرة عند (أروى) أيضاً، أجبت على الكثير من الأسئلة بعد سؤالها وانتهت تلك الليلة وعدتُ لدياري في ظهر اليوم التالي، وبعد ثلاثة أيام قرأتُ هذه الرسالة:

 "حديثك العابر كان نقطة لتحول افكاري، وكأن الله ألهمك لتقولي لي كل تلك الكلمات، في المكان المناسب، وفي الوقت المناسب، لطالما شعرت أنني أقل من الآخرين، ولطالما كنت أرى نجاحهم شيئاً يضرني، وبدلا من محاولة البحث عن ما يميزني عنهم، رحتُ ابحث عن عيوبي، حتى ظهر لي أني أضعتُ ذاتي وبدأت أشعر أن الجميع يستطيع أخذ مكانتي على هذا الوجود الكوني، لأني كنت مختلفة عنهم كان عامل المقارنة و التقييم للمميزات والعيوب يرتبط بمن هم حولي، لكنني عرفت أخيراً، تلكَ لم تكن عيوباً فقدرِ ما كانت شخصيتي أنا، ذاتي أنا، كان ذاك العيب الذي يرونه فيّ هو ما يُميزني عنهم، تذكرت ماقلتيه: لا أحد يستطيع أن يرى نجمتنا سوانا، نحن نجومٌ.

المرسل: أروى
المكان: الرياض
أحد الذين ألتقوا بكِ في مؤتمر خارطة الطريق"

 وصلتني هذه الرسالة من أروى بعد عودتي إلى دبي ، وكان ذلك حافزٌ لنشر قصة خارطة الطريق على صفحتي في الفيس بوك بدايةً بالذي طويته سابقاً في دفتر يومياتي الأصفر، ثمرة واحدة كسبتها من الرياض هي (أروى)، كانت تحتاجني، وكنت احتاجها لأسافر للماضي وأُقدّر حاضري، فلنا مكانتنا على هذه الأرض، لم يكن الله أبداً لا ماضياً ولا حاضراً يُخطئ عبر القدَر والموازين، لا نحن جئنا قبل زماننا ولا الأحداث اخطئتَنا، ولم تكن الفيزياء كذبة, وليست عيوبنا هي ما أفسدتِ الأرض، بل أرواحنا .


فاطمة غزواني .

تعليقات

نبذة عن الكاتبة

فاطمة بنت يحيى الغزواني
صديقة الأبجديّة ، لدي هدف في الحياة وأنا في طور تحقيقة، لا تسمع ما يُقال عني حاول أن تكتشفني بنفسك , قلمي وعقلي هم سلاحي في هذا العالم المخيف، أمارس الكتابة كرسالة، الأمل قريب جداً قد أراه ولا تراه، نحن نختلف في مستوى الرؤية، أهتماماتي القيادة والتخطيط القراءة والكتابة .

sayat.me/FatimahYG
هنا مساحتكم لإبداء الرأي

وعلى برنامج صراحة